مكمن الوجع في الأمة
من أعظم آلام الأمة اليوم الاستبداد والاستبداد السياسي خاصة : استبداد فئة معينة بالحكم والسلطان، برغم أنوف شعوبهم، فلا هم لهم إلا قهر هذه الشعوب حتى تخضع، وإذلالها حتى يسلس قيادها، وتقريب الباحثين بالباطل، وإبعاد الناصحين بالحق.
و الاستبداد اليوم له إمكانات هائلة يؤثر بها على أفكار الناس وميولهم، عن طريق المؤسسات التعليمية والإعلامية والتثقيفية والتشريعية، وأكثرها -إن لم يكن كلها- في يد الاستبداد.
وأول المتضررين من جراء الاستبداد والطغيان هو الدين ،فالإسلام لا ينتعش ويزدهر ويؤثر، ويدخل إلى العقول والقلوب، ويؤثر في الأفراد والجماعات، إلا في ظل الحرية التي يستطيع الناس فيها أن يعبروا عن أنفسهم، وأن يقولوا: (لا) و(نعم) إذا أرادوا ولمن أرادوا، دون أن يمسهم أذى أو ينالهم اضطهاد.
ومعظم أقطار الوطن العربي ـ والإسلامي ـ قد ابتليت بفئة من الحكام عناهم الشاعر بقوله:
أغاروا على الحكم في ليلة ففر الصباح ولم يرجع!
القلوب تكرههم، والألسنة تدعو عليهم، والشعوب تترقب يوم الخلاص منهم لتجعله عيدا أكبر، ومع هذا يُستفتى الشعب على حكمهم، فلا ينالون أقل من 99.999 (التسعات الخمس) المشهورة في كثير من بلاد العالم الثالث المقهور المطحون.
إن الاستبداد ليس مُفسدًا للسياسة فحسب، بل هو كذلك مُفسد للإدارة لأن الاستبداد يقدم أهل الثقة عند الحاكم، لا أهل الكفاية والخبرة، ويقرب المحاسيب والمنافقين، على حساب أصحاب الخلق والدين.
وبهذا تضطرب الحياة وتختل الموازين، وتقرب الأمة من ساعة الهلاك وإذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.
والاستبداد مفسد للاقتصاد، لأن كثيرا من الأموال لا تنفق في حقها، ولا توضع في موضعها، بل تذهب لحماية أمن الحاكمين، والتنكيل بخصومهم في الداخل و الخارج، وشيوع ألوان النهب والسرقات، المكشوفة والمقنعة، لأموال الشعب، وانتشار الرشوة باسمها الخاص أو باسم العمولات والهدايا، والتستر على صفقات مريبة يكسب أفراد من ورائها ملايين، ويخسر الشعب من ورائها ملايين.
وإذا قرر الزعيم أمرا، فليس من حق أحد أن يسأله: لم؟ فليس في الشعب أحدٌ مثله ذكاءً وعقل، وحكمة ، فهو العلامة في كل فن، والفهامة في كل شيء وأما من حوله فمهمتهم أن يؤمنوا إذا دعا، وأن يصدقوا إذا تكلم.
من اجترأ واعترض، فيا ويله ماذا يلقى، لأنه باعتراضه يصبح عدو الحرية ولا حرية لأعداء الحرية!
والاستبداد مفسد للأخلاق، إذ لا ينفق في سوق الاستبداد إلا بضائع النفاق والجبن والذل والخنوع، وهي الرذائل التي تقتل العزة في الأنفس، والشجاعة في القلوب، وتميت الرجولة في الشباب، وذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم، يا ظالم فقد تودع منهم" كما قال عليه الصلاة والسلام ،فكيف إذا كان الاستبداد يلقنها كل يوم أن تقول للظالم: أيها البطل المنقذ العظيم؟!
والاستبداد كثيرا ما يتغاضى عن المجرم والمنحرف إذا كان من أنصاره فهو يظله ويستره، فإذا انكشف حماه ودافع عنه، ليعلم أتباعه دوما أن ظهرهم مسنود وأن ذنبهم مغفور.
وشعار الاستبداد دائما: من ليس معنا فهو علينا، أكثر من ذلك: أن يأخذ القاعد المتبطل مكافأة العامل المجد، وأن يعاقب البريء بدل المسيء! وتلك هي الطامة الكبرى.
ولا دواء لداء الاستبداد إلا بالرجوع إلى نظام الشورى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقاومة روح اليأس والانهزامية المميتة، التي تشيع بين الناس، أن لا فائدة، ولا أمل في تغيير أو إصلاح، وأن الذي يأتي أسوأ من الذي يذهب فهذه الروح الانهزامية منافية لمنطق الحياة التي يعقب الله فيها النهار بعد الليل، والخصب بعد الجدب، ومنافية لمنطق الكفاح الذي نهضت به الأمم، وسادت به الشعوب
تحياتي