إِثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى
خالد بن سعود البليهد
حديث أَبِي مُوسَى، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْر عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ).
الشرح:
في هذا الحديث بيان لمسألة عظيمة من أشرف المسائل في باب الصفات وهي رؤية المؤمنين لله تبارك وتعالى في الآخرة فقد ثبت ذلك في القرآن والسنة الصحيحة والإجماع قال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(. وقال تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ).
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة هنا بالنظر إلى وجه الله الكريم وقوله تعالى: (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ).
وأما السنة فقد تواتر هذا المعنى في الأحاديث وقد حكى جماعة من أهل العلم الإجماع على ثبوت الرؤية في الآخرة.
وقد عظم الخلاف في هذه المسألة بين أهل السنة والمعطلة وكثر فيها التصنيف لأهل السنة وصار إثباتها شعارا لهم يميزهم عن سائر طوائف المعطلة واشتهر عن المعتزلة والإباضية والرافضة إنكار رؤية المؤمنين لربهم بشبه واهية وقواعد فاسدة من أشهرها أن القول برؤية الله يقتضي أنه محدود وأنه في جهة وهذا من أوصاف الحادث المخلوق وهذا باطل لأنه ظن مخالف ليقين الكتاب والسنة ولأن الله ليس كمثله شيء ولا يقاس بأحد من مخلوقاته في صفاته كما لا يقاس في ذاته ولا في أفعاله واستدلوا على مذهبهم الباطل بآيات من القرآن ولا يصح استدلالهم بها لأن الدليل خارج عن المدلول ولأنه لا ينافي الأدلة الثابتة بوجه من الوجوه وليس هذا موضع بيانه وأهل البدع عند التأمل لا يعتمدون في باطلهم على دلالة الكتاب والسنة إنما يعتمدون على أقيسة وشبه باطلة ثم يلبسونها لباس الشرع ويتظاهرون بالاتباع والرسول صلى الله عليه وسلم أنصح وأفصح وأصدق الخلق وهو أشد الناس غيرة على حرمة ربه ولا يمكن أن ينسب لمولاه وخالقه ما يقتضي النقص والعيب بوجه من الوجوه وهو من أعرف الناس وأتقاهم لربه وقد أثبت لله وإليه الرؤية وهو لا ينطق عن الهوى فوجب التسليم له وعدم معارضته بالعقل القاصر والظن الكاذب. وفي الحديث إثبات رداء الكبرياء لله عز وجل لعظمته وجلاله وجماله وكمال قدرته على ما يليق به سبحانه ولا نكيفه ولا نئووله كعادة أهل البدع أما المخلوق الفقير العاجز فلا يصلح له الكبر ولا يليق به ولذلك ورد الزجر والوعيد لمن نازع الله في صفته. وفي الحديث بيان نعيم المؤمنين في الآخرة جنتان مصنوعتان من الذهب بكل ما فيهما وهما خاصتان بالمقربين الذين فعلوا الفرائض والسنن وتركوا المحرمات والمكروهات وجنتان مصنوعتان من الفضة بكل ما فيهما وهما خاصتان بأهل اليمين الذين فعلوا الفرائض وتركوا المحرمات ولم يحرصوا على أداء السنن واجتناب المكروهات وقد فضل الله الجنتين الأوليين على الأخريين في كل شيء فلكل طائفة منزلة ودرجة في النعبم بحسب أعمالهم في الدنيا وفضل الله واسع ومع هذا النعيم العظيم إلا أن اللذة الكاملة والأنس التام وسعادة الروح والفرح والسرور في النظر إلى الرحمن ولن يعط المؤمن شيء أحب إليه من النظر لوجه الكريم فنسأل الله الكريم ألا يحرمنا وإخواننا المؤمنين من تلكم النعمة الجليلة.