السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ
وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا ) رواه مسلم
قَوْلُهُ ﷺ : ( مَنِ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) . وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) فِيهِ فَضِيلَةُ الْغُسْلِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ . وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ وَتَحْسِينُ الْوُضُوءِ . وَمَعْنَى إِحْسَانِهِ الْإِتْيَانُ بِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ، وَدَلْكُ الْأَعْضَاءِ وَإِطَالَةُ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ ، وَتَقْدِيمُ الْمَيَامِنِ ، وَالْإِتْيَانُ بِسُنَنِهِ الْمَشْهُورَةِ . وَفِيهِ أَنَّ التَّنَفُّلَ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُسْتَحَبٌّ ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ . وَفِيهِ أَنَّ النَّوَافِلَ الْمُطْلَقَةَ لَا حَدَّ لَهَا لِقَوْلِهِ ﷺ : ( فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ) . وَفِيهِ الْإِنْصَاتُ لِلْخُطْبَةِ ، وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ لَا بَأْسَ بِهِ .
قَوْلُهُ ﷺ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى : ( ثُمَّ أَنْصَتَ ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمُحَقَّقَةِ الْمُعْتَمَدَةِ بِبِلَادِنَا ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْجُمْهُورِ ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ بِبِلَادِنَا ( انْتَصَتَ ) ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنِ الْبَاجِيِّ وَآخَرُونَ ( انْتَصَتَ ) بِزِيَادَةِ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ ، قَالَ : وَهُوَ وَهْمٌ ، قُلْتُ : لَيْسَ هُوَ وَهْمًا بَلْ هِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ ؛ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمُخْتَصَرِ : يُقَالُ : أَنْصَتَ وَنَصَتَ وَانْتَصَتَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ .
قَوْلُهُ ﷺ : ( فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ ) هُمَا شَيْئَانِ مُتَمَايِزَانِ ، وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فَالِاسْتِمَاعُ الْإِصْغَاءُ ، وَالْإِنْصَاتُ : السُّكُوتُ ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا . وَقَوْلُهُ : ( حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْإِمَامِ ، وَعَادَ الضَّمِيرُ إِلَيْهِ لِلْعِلْمِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا .
وَقَوْلُهُ ﷺ : ( وَفَضْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) ، وَزِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، هُوَ بِنَصْبِ ( فَضْلَ وَزِيَادَةَ ) عَلَى الظَّرْفِ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَى الْمَغْفِرَةِ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَصَارَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الْجَمِيلَةَ فِي مَعْنَى الْحَسَنَةِ الَّتِي تُجْعَلُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا .
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : وَالْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَتِهَا إِلَى مِثْلِ الْوَقْتِ مِنَ الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى تَكُونَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَيُضَمُّ إِلَيْهَا ثَلَاثَةٌ فَتَصِيرُ عَشَرَةً .
قَوْلُهُ ﷺ: ( وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى لَغَا ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ مَسِّ الْحَصَى وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَبَثِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ ،
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِقْبَالِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ عَلَى الْخُطْبَةِ ، وَالْمُرَادُ بِاللَّغْوِ هُنَا الْبَاطِلُ الْمَذْمُومُ الْمَرْدُودُ ،
وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا .[١]
البيـان :
قَالَ أَبُو الزِّنَادِ : هِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا هُوَ : ( فَقَدْ لَغَوْتَ ) . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : يُقَالُ : لَغَا يَلْغُو كَغَزَا يَغْزُو ،
وَيُقَالُ : لَغِيَ يَلْغَى كَعَمِيَ يَعْمَى ، لُغَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ ، وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي هَذِهِ الثَّانِيَةَ الَّتِي هِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ . وَهَذَا مِنْ لَغِيَ يَلْغَى ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الْأَوَّلِ لَقَالَ :
وَالْغُوا بِضَمِّ الْغَيْنِ ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ : مَصْدَرُ الْأَوَّلِ اللَّغْوُ ، وَمَصْدَرُ الثَّانِي اللَّغْيُ ، وَمَعْنَى ( فَقَدْ لَغَوْتَ ) أَيْ قُلْتَ اللَّغْوَ ،
وَهُوَ الْكَلَامُ الْمَلْغِيُّ السَّاقِطُ الْبَاطِلُ الْمَرْدُودُ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ قُلْتَ غَيْرَ الصَّوَابِ ،
وَقِيلَ : تَكَلَّمْتَ بِمَا لَا يَنْبَغِي . فَفِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ حَالَ الْخُطْبَةِ ،
وَنَبَّهَ بِهَذَا عَلَى مَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ أَنْصِتْ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ ، وَسَمَّاهُ لَغْوًا فَيَسِيرُهُ مِنَ الْكَلَامِ أَوْلَى ،
وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ إِذَا أَرَادَ نَهْيَ غَيْرِهِ عَنِ الْكَلَامِ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ بِالسُّكُوتِ إِنْ فَهِمَهُ ،
فَإِنْ تَعَذَّرَ فَهْمُهُ فَلْيَنْهَهُ بِكَلَامٍ مُخْتَصَرٍ وَلَا يَزِيدُ عَلَى أَقَلِّ مُمْكِنٍ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَلَامِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ
أَوْ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ؟ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعَيِّ ،
قَالَ الْقَاضِي : قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ : يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لِلْخُطْبَةِ ،
وَحُكِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَبَعْضِ السَّلَفِ : أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلَّا إِذَا تَلَا فِيهَا الْقُرْآنَ .
قَالَ : وَاخْتَلَفُوا إِذَا لَمْ يَسْمَعِ الْإِمَامُ هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِنْصَاتُ كَمَا لَوْ سَمِعَهُ ؟
فَقَالَ الْجُمْهُورُ : يَلْزَمُهُ ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ : لَا يَلْزَمُهُ .[٢]
الإمام النووي رحمه الله تعالى
شرح النووي على مسلم
[١]كتاب الجمعة » باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة » بَاب فَضْلِ مَنْ اسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ فِي الْخُطْبَةِ
[٢]كتاب الجمعة » باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة » بَاب فِي الْإِنْصَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْخُطْبَةِ
والله أعلم