يحيط بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة كثير من الغموض خاصة قبل بعثته، لأن الأضواء لم تسلط علية ألا بعدها بوجه خاص، فروايات المؤرخين عن الرسول بعد الهجرة تكاد تكون متفقة في تفاصيلها وأشخاصها وزمانها ومكانها.
ذلك لأنة أصبح الشخصية الأولى في المجتمع الإسلامي فضلا عن أنة صاحب الرسالة الإسلامية التي أخرجت المجتمع الجاهلي من الظلمات إلى النور.
أما حياته قبل البعثة فكانت ضمن التاريخ الجاهلي ومحمد فيها لم يكن أشهر الشخصيات في مكة، وربما اهتم الناس بحياة عبد المطلب وأبى سفيان والوليد بن المغيرة أكثر من اهتمامهم بحياة محمد.
والمتصفح لكتب التاريخ الإسلامي عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم قبلا البعثة لا يجدها بها معلومات كافية تتبع تاريخ حياته عاما بعد عام كما فعلت بعد الهجرة، وإنما هي روايات تسلط الضوء على أحداث محدودات طوال أربعين سنة أكثرها مرتبط بتاريخ مكة العام، ولا يخص محمد منها الا القليل وليت هذا الضوء المسلط ضوءا ساطعا بل شابته بعض غيوم الوهم والخيال.
إذ حاول المؤرخين المسلمون أن يملئوا هذا الفراغ في تاريخ الرسول الكريم فنسجوا كثيرا من القصص والروايات نسبوها إليه قبل بعثته وحاولوا أن يبرهنوا بها على أحقيته صلى الله عليه وسلم بالرسالة، في حين أن رسالته غنية عن برهان بشري لأنها منحة إلهية.
وفات هؤلاء المؤرخين أن أهل مكة الذين عاصروا محمد وعايشوه عن قرب لم يعرفوا له هذه البراهين ولم يستدلوا بها على صحة رسالته، بل وقفوا موقف العداء ووصفوا محمد صلى الله عليه وسلم بالكذب والسحر والجنون.
كما فاتهم أن حياة محمد قبل البعثة تختلف عن حياته بعدها، فمحمد قبل البعثة يصدر عن نفس بشرية صافية وإنسانية مثالية جمعت كل صفات الكمال الإنساني، تحوطها العناية الإلهية لتمنعها من الوقوع في الرذائل البشرية ولتصل بها إلى الكمال البشري المطلق، أما حياته بعد البعثة فلا ينطق عن الهوى أن هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى.
وعلى أية حال فعلى الرغم من محاولة المؤرخين كتابة تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة الا أنه مازالت هناك فجوات كبيرة في هذه الفترة لم يذكر أحد عنها شيئا.