* في قوله تعالى(وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) الأعراف) الجمل أحياناً تُقرأ الجُمّل بالتشديد فهل يختلف المعنى بهذه القراءة؟(د.حسام النعيمى)
هذا السؤال قديم ولعلنا تكلمنا عنه مرة بشكل سريع. أولاً كلمة الجمل في اللغة لها أكثر من معنى.
فمن معانيها الحيوان المعروف (الجمل) الذي هو الناقة والإبل والبعير والجمل، هذا معنى من معانيها.
ومن معانيها هو إسم لجنس سمك معيّن العرب تسميه الجمل (سمكة في البحر تسمى جملاً).
ومن معانيها: الحبل الغليظ، فله ثلاثة معاني. نحن عندما نجد معاني متعددة للكلمة نحاول أن نرى العلاقة بين الألفاظ. فلما عندنا كلمة سم الخياط وهو ثقب الإبرة أو خرم الإبرة، هذا الثقب يناسبه الخيط وليس الجمل الحيوان لكن لا يمنع أن يكون المُراد هو الجمل لكن الأكثر موافقة لصورة النص هو أن يكون الحبل الغليظ أو الذي تشد به السفن يكون في غاية الغلظ.
يقوّي هذا أنه نحن عندنا قراءة شاذة وذكرنا أكثر من مرة أن كلمة شاذة لا تعني أنها خطأ وإنما تعني أنه لم يكن يقرأ بها جمهور عظيم من الناس.
نقول هذه قراءة مكة يعني أهل مكة جميعاً كانوا يقرأون هكذا: الجمل. إبن محيصن، أحد العلماء كان في مكة لكنه كان يقرأ بروايات من قبائل قليلة فقرأ: الجُمّل (حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ).
لما نأتي إلى كلمة الجُمّل وهو سمعها من أناس سمعوها من رسول الله صل الله عليه وسلم أو نقلت إليهم أو قرأوا بين يديه فأقرّهم لكن عددهم كان قليلاً فما جُعِلت متواترة لأن المتواتر هو قراءة أمّة، جمع عظيم من الناس.
فلما قرأها وهي ليست قراءة أهل مكة التي هو مقيم فيها فلم يقرّوها وجعلوه قارئاً شاذّاً وجعلوه من القُرّاء الأربعة عشر (من الأربعة الذين فوق العشرة).
هذا يعطينا درساً أن أهل مكة عدّوا هذه القراءة شاذة لأنه كان يقرأ بقراءة من خارج بلدهم، حتى لا يقرأ أحدٌ في الشارقة (وأدخله النار) بالإمالة ففي البلد الذي يميل أمِل.
فما دام عندنا هذه القراءة والجُمّل له معنيان: الأول الحبل الغليظ وله معنى آخر وهو الحساب الخاص بالأرقام يسمونه حساب الجُمّل.
الحساب لا شأن له هنا فإذن ما بقي إلا الحبل الغليظ. فلما يكون هناك قراءة لا تُحمل إلا وجهاً واحداً هو الحبل الغليظ وقراءة أخرى لها ثلاثة وجوه فإذن القراءة ذات الوجه الواحد تقيّد هذه الوجوه الثلاثة راجحاً ولا نقطع.
لا نقول أن الذي قال الجمل مخطئ لأن العربية تحتمله بوجود هذه القراءة وهي قراءة عرب.
ما دلالة إستخدام فعل يلِج؟
يلج بمعنى يدخل ولم يقل يدخل لأن الدخول قد يكون براحة أما الولوج إلى المكان ففيه شيء من التضييق في المكان.
ولوج شيء في شيء يعني كأنما يكون هناك تماسّ في الولوج لذا قال يلِج وتكون الحركة قليلة. أما الدخول فالدخول يكون واسعاً.
قال يلج لأنه سم خياط وعادة حتى الخيط الرفيع لا بد أن يمس الأطراف.
سمّ: هو ثَقْب الإبرة والإبرة معروفة وهي التي يُخاط بها.
ومعنى الآية دلالة على إستحالة دخول هؤلاء الذين هذه صفاتهم (كذّبوا بآياتنا) لاحظ ما قال كذّبوا آياتنا.
(كذبوا بآياتنا) الباء التي فيها معنى التأكيد. كذّب بمعنى نسب الآيات إلى الكذب لكن كان يمكن أن يُعدّيها من غير باء يقول كذّبته أي نسبته االكذب لكن أدخل الباء إشارة إلى أنهم يريدون أن يلصقوا – لأن الباء الأصل فيها الإلصاق – وإن كان فيها معنى الزيادة والتوكيد كأنهم يريدون أن يلصقوا الكذب بالآيات إلصاقاً.
يرغمون فكرة الكذب إرغاماً لتلتصق بآياتنا. هذا بذل جهد للتكذيب.
واستكبروا عنها: هذا الإستكبار والتعالي. وما قال استكبروا عليها حتى لا تكون الآيات تحتهم وإنما قال عنها، تجنبوها، وإن قال استكبروا والاستكبار استعلاء قال استكبروا عنها أي انحازوا عنها وانحرفوا عنها.
الذي يبذل جهداً ويشتغل في تكذيب الآيات بنوع من الإستكبار لا تفتّح له أبواب السماء والسماء لها أبواب تحملها على الحقيقة
أو على المجاز ونحن عندنا أحاديث صريحة بهذا.
المرجع / لمسات بيانيه للدكتور فاضل سامرائي وحسام النعيمي
اللهم تقبل اللهم تقبل اللهم تقبل