رأيت هذه الرسالة في كثير من مواقع التواصل الاجتماعي: "يا عبد الله إن قمت من الليل ولم تتوضأ ولم تصلِ فقد خنت أمانتي ، وإن توضأت وصليت ودعوتني فلم أستجب لك فقد خنت أمانتك" . يقال :إن هذا حديث قدسي ، فهل هذا صحيح ؟ وما مدى صحته ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الكلام لا أصل له في دين الله ، وهو قول مختلق مصنوع ، بل باطل منكر ، وجرأة على مقام الله جل جلاله ، ولا يجوز وصف الله عز وجل بحال أنه يخون الأمانة ، تعالى الله عن ذلك .
ومن قام من الليل ولم يتوضأ ولم يصل فلا إثم عليه ، وإن كان المستحب له أن يتوضأ ويصلي ، ولكن لا يقال لمن قام ولم يصل : إنه خان أمانة الله .
ومما يدل على بطلان هذا الحديث ما رواه البخاري في صحيحه (1154) عن عُبَادَة بْن الصَّامِتِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، أَوْ دَعَا ، اسْتُجِيبَ لَهُ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ ) .
قال ابن بطال رحمه الله :
" فيه ما وعد الله عباده على التيقظ من نومهم ، لهِجَةً ألسنتُهم بشهادة التوحيد له والربوبية ، والإذعان له بالملك، والاعتراف له بالحمد على جزيل نعمه التي لا تحصى ، رطبةً أفواهُهم بالإقرار له بالقدرة التي لا تتناهى ، مطمئنةً قلوبهم بحمده وتسبيحه ، وتنزيهه عما لا يليق بالإلهية من صفات النقص ، والتسليم له بالعجز عن القدرة عن نيل شيء إلا به تعالى ؛ فإنه وعد بإجابة دعاء من بهذا دعاه، وقبول صلاة من بعد ذلك صلى ، وهو تعالى لا يخلف الميعاد ، وهو الكريم الوهاب " .
انتهى من "شرح صحيح البخارى" (3/ 147-148).
فيدل هذا الحديث على أن من استيقظ من الليل ، ثم قال هذا الذكر ، ثم دعا ربه : استجاب الله له ، وإن لم يتوضأ ولم يصل ؛ فكيف يقال بعد ذلك : إنه خان الأمانة؟!